قجّر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عصر الاثنين الفائت، الوضع مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لتنطلق بعدها مواجهة من نوع آخر بينهما. فعلى الصعيد المحلي، نجح الطرفان في زرع الانقسام بين الاطراف اللبنانية كافة، حتى ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لم يوفّر في رسائله حليفه اللدود رئيس مجلس النواب نبيه بري، اذ بدا وكأنّ كلاً منهما يدعم طرفاً مغايراً. وحفلت المواجهة المحلّية بين الرجلين بالكثير من الضربات تحت الحزام، ووصلت درجة الاتهامات بينهما الى حدود التكذيب والاتهام بفبركة اوراق والكشف عن مضامين الاحاديث الثنائيّة والرسائل بخطّ اليد. لعب الحريري ورقته الاخيرة محلّياً حين كشف عن التشكيلة التي وضعها في عهدة عون منذ اكثر من ثلاثة اشهر، والتي تعرضت للكثير من الانتقاد ان من حيث اختيار الشخصيات او لجهة دمج الوزارات بطريقة غير مدروسة وغير منهجية، ولكن الحريري كسب جولة اخرى في المقابل، عبر اظهاره لعون وكأنّه يحاول وضع اليد على رئاسة الحكومة وصلاحيات رئيس الحكومة المكلف عبر فرضه تشكيلة يحصل فيها على الثلث الضامن. واتى الرد الرئاسي سريعاً ليؤكد ان لا صحة لهذه الامور، ويوضح انّ الاوراق التي سرّبها الحريري للاعلام ليست صحيحة وتمّ التلاعب بها.
وبعد التعادل الايجابي بين الطرفين على الساحة المحلّية، انتقلت المواجهة الى الخارج، فكان ان استعان الحريري بالمسؤول السابق في الخارجيّة الاميركيّة ديفيد شينكر الذي وقف الى جانبه وانتقد بالاسم عون وصهره النائب جبران باسيل متهماً اياهما بتعطيل الحكومة. واتى الردّ مدروساً، اذ استعان عون بالبلد العربي الاقرب الى قلب الحريري أيّ المملكة العربيّة السعوديّة، ليرسل له رسالة مفادها انه في مقابل الاستعانة بمسؤولين سابقين دوليين، هناك مسؤولون حاليّون لدى السعوديّة مستعدون للتعاون مع لبنان دون اعتبار وجود الحريري في السراي ام لا. في الواقع، لم تكن بريئة تلبية السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري دعوة عون الى قصر بعبدا، في هذا التوقيت بالذات، أي بعد ساعات معدودة فقط على انفجار قنبلة الحريري في القصر الجمهوري، مع كل ما تحمله من دلالات ومؤشّرات على استعداد المملكة لنسيان كل الماضي وفتح صفحة جديدة. والاهم من كل ذلك، ان عون حصل من خلال هذه الزيارة، على اعتراف ضمني من السعودية تحديداً، بأنّ المقام السنّي الاول في لبنان غير مستهدف، وهي التي يعتبرها اهل السنّة في لبنان مرجعاً دينياً لهم ومدافعاً أوّلَ عن مصالحهم وبالاخص عن مقام رئاسة مجلس الوزراء. والغريب الغريب، ان المملكة تخطت عقبة تقارب عون مع حزب الله في السّياسة، واظهرت استعداداً للتحاور مع كل الاطراف، وربما قد تكون التسوية التي يتم العمل عليها دولياً وعربياً، غضّ النظر عن المشاركة غير المباشرة لحزب الله في الحكومة كشرط لنجاح المساعي الهادفة الى إنهاء الأزمة المستفحلة في لبنان.
ويسجّل للحريري في هذا السياق، انه نجح في جرّ عون الى ما كان ينادي رئيس الجمهورية بتجنّبه منذ وصوله الى الرئاسة، اي دعوة الدول الخارجيّة العربيّة والاجنبيّة، لإقحام نفسها في المشاكل اللبنانية، وهذا إنْ دلّ على شيء، فعلى أنّ الاوضاع لم تتغير والاحوال لم تتبدل، وان تقاسم النفوذ الدولي انما يتجسد في تسوية ستعيد الامور الى ما كانت عليه في السابق، وستضع كل ما قيل عن تغيير او نسف للفكر القديم، في مهب الريح. هذا ما جناه السياسيون اللبنانيون على بلدهم وشعبهم، وهذا ما ارتضى به الشعب الذي اثبت مرة جديدة ان الزعيم والطائفة أقرب اليه من حياته وحياة اولاده، ومن له اذنان سامعتان فليسمع.